هنالك الكثير من المصطلحات التي تصف الأفراد الذين يُظهرون قُدرات استثنائية، وفي بعض الأحيان، تخلق هذه المصطلحات إشكالًا في التفرقة بينها Sousa (2009). فالموهبة (Giftedness) كما يُعَرِّفُهَا Gagne (1985)، هي مَلَكَة فوق المتوسط في الابداع والقدرات الذهنية، أما التفوق (Talent)، هو أداء فوق المتوسط في أحد الأنشطة الإنسانية، كالموسيقى والرياضيات والأدب. تعد الموهبة من أكثر هذه المصطلحات استخدامًا ولديها العديد من التعاريف وعادةً ما تَصف الأفراد الذين يؤدون المهارات المُتقنة من خلال ممارستها، كالموسيقى والرقص. في السابق كان مصطلح الموهبة يقتصر على معدل الذكاء “القدرات الذهنية” في التحصيل الأكاديمي، لكن المفهوم المعاصر للموهبة اتسع بعد نظرية غاردنر للذكاءات المتعددة Gardner (2011) لمدى أشمل من التحصيل الأكاديمي المبني على القدرات الذهنية.
لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للموهبة، لأن الانسان بطبيعته ليس صيغة واحدة محددة، فالموهبة هي طبيعة متعددة الأبعاد لها أركان رئيسية (غير ثابتة نسبيًا لأن المفهوم ذاته يتطور مع تطور العلم)، مع الأخذ بعين الاعتبار امتزاج بعض من القدرات الاستثنائية، والاهتمامات، والأنماط النمائية، الصفات الاجتماعية-العاطفية، وفرط الحساسية.
الموهوبون، (خصوصًا الأطفال أو الطلاب في بداية أعوامهم الدراسية) بطبيعتهم (إن كانوا قد أُنشِئوا في بيئات صحية تدعم موهبتهم وطبيعتهم) يُظهرون سمات في الابداع والقدرات الذهنية والفضول أعلى مِن مَن هم في مِثل سنهم في الصفوف الدراسية، لكن، قد تختفي هذه العلامات في الأطفال الموهوبين لكون بعضهم يُخفي سماته بسبب الرغبة في الاندماج، ضغط الأقران، الخوف من الفشل، الكمالية، قلة الدعم، التشديد المفرط أو إلزام المطابقة كأحد قوانين الفصول الدراسية، فرط الحساسية، عدم وجود محفزات تتوافق مع مستوى الطفل/الفرد/الطالب، أو أنه قد يكون استثنائي مزدوج، وغيرها (Renati et al., 2023).
لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للموهبة، لأن الانسان بطبيعته ليس صيغة واحدة محددة، فالموهبة هي طبيعة متعددة الأبعاد لها أركان رئيسية (غير ثابتة نسبيًا لأن المفهوم ذاته يتطور مع تطور العلم)، مع الأخذ بعين الاعتبار امتزاج بعض من القدرات الاستثنائية، والاهتمامات، والأنماط النمائية. الموهوبون، خصوصًا الأطفال أو الطلاب في بداية أعوامهم الدراسية يُظهرون سمات في الابداع والقدرات الذهنية والفضول أعلى مِن مَن هم في مِثل سنهم في الصفوف الدراسية، وقد لا نرى هذه العلامات في الأطفال الموهوبين لكون بعضهم يُخفي سماته بسبب الرغبة في الاندماج، ضغط الأقران، الخوف من الفشل، الكمالية، قلة الدعم، التشديد المفرط أو إلزام المطابقة كأحد قوانين الفصول الدراسية، فرط الحساسية، عدم وجود محفزات تتوافق مع مستوى الطفل/الفرد/الطالب، أو أنه قد يكون استثنائي مزدوج، وغيرها (Renati et al., 2023).
علميًا، هنالك اختلاف بيولوجي في التركيبة البنيوية والوظيفية لأدمغة الموهوبين، ليس حجمًا، بل بتعقيدة ترابط الخلايا العصبية ونموها، فمن الفروق الرئيسية: الكفاءة العصبية؛ مما يظهر في التعلم السريع للمعلومات الجديدة، والتأقلم للبيئات والأحداث المختلفة، مما يؤدي إلى مهارات حل المشكلات والتفكير الإبداعي المتقدم، زيادة في الترابط بين مناطق الدماغ المختلفة؛ التي تُسهل معالجة المعلومات بسرعة وكفاءة أكبر، حساسية حسية أكبر (مثل: حساسية أكبر تجاه الصوت والضوء)؛ مما يجعلهم أكثر وعيًا بالبيئة المحيطة بهم وامتلاكهم مهارة أعلى في تصفية المدخلات الحسية الغير مهمة، اختلاف في المعالجة الانفعالية/الشعورية/العاطفية؛ تُظهر أدمغة الموهبين ترابطًا متزايدًا بين الفص الجبهي ولوزة المخيخ (المسؤولة عن معالجة المشاعر)، وأخيرًا، يميل الأطفال الموهوبين لإظهار مرونة عصبية أكبر، مما يسمح لأدمغتهم إعادة تنظيم المعرفة وتشكيل اتصالات عصبية جديدة وبسهولة أكبر.
مفهوم الموهبة هو مفهوم شامل كما ذكرنا سابقًا، وللموهبة جوانب عدة، لا نستطيع حصرها في فئات محدودة أو بمعدل ذكاء معين، لكنها تتجلى في أُطر معينة تتميز بخصائص وقدرات يساهم كل منها في التعريف العام للأفراد الموهوبين كل منهم على حِده. وعلى أساس هذه الأُطر يتم قياس الموهبة، وهذه الأُطر هي:
- الإطار المعرفي:
الموهبة في إطارها المعرفي تتسم بقدرات معرفية استثنائية، تتضمن مهارات استدلالية متقدمة، مهارة حل المشاكل، ومهارة التفكير المجرد. يمكن قياس الموهبة في إطارها المعرفي من خلال اختبارات الذكاء IQ. اختبارات الذكاء (كاختبار CogAT وغيرها) يهتم بقياس القدرات المعرفية للفرد، قدراته وإمكانياته. تركز هذه النوعية من الاختبارات على مجالات الذكاء المتعددة وهي: مقدرة الفرد على معالجة المعلومات، واستنتاجها، وحلها (مما في ذلك الذاكرة والانتباه والقدرات اللغوية). تكشف هذه الاختبارات الأنماط المعرفية للأفراد وبالتالي تحديد جوانب التفوق عند بعض الأفراد عن غيرهم.
- الإطار الأكاديمي:
الموهبة في إطارها الأكاديمي يتسم بالتفوق البارز في أحد المجالات الأكاديمية، كالعلوم، والرياضيات والفنون والآداب. وعلى خلاف الإطار المعرفي لكونه إطار أعم من الإطار الأكاديمي، فإن الإطار الأكاديمي يركز على مجال محدد. القياس في هذا الإطار (كاختبار ACT، SAT وغيرها) يقوم تقييم ثقافة الفرد في تخصصات محددة بشكل مباشر، وهي مؤشر على مقدرة الفرد الاستثنائية للأداء المبهر في هذا المجال. بعد قياس هذا الإطار، يمكن تقديم موارد دراسية متقدمة في مجال الموهبة وتقديم التعليم المخصص.
- الإطار الابداعي:
الموهبة في إطارها الإبداعي تنطوي على مقدرة توليد أفكار أصيلة وحل المشكلات بطرق فريدة. الموهوبون المبدعون عادة ما يبرزون في المجالات التي تتطلب الابتكار والخيال، كالكتابة والفن والموسيقى. اختبارات الابداع (كاختبار TTCT) تتضمن مهام تقيس فيها التفكير المختلف، الأصيل، وقابلية الفرد على ابتداع الحلول للتحديات مما لا يمكن قياسه في اختبارات الإطار الأكاديمي. مقاييس الإطار الإبداعي تقوم بتقييم الأفراد الذين يُظهرون مستويات عالية من الابداع تمكنهم من اقتناص الفرص لتجربة والتعبير عن أفكارهم.
- الإطار الفني:
الموهبة في إطارها الفني تضم الموهبة في الفنون البصرية والتعبيرية، كالرسم، والغناء، والرقص، والمسرح. تحديد الموهوبين الفنانين يكون من خلال تقييم مختلف مهاراتهم في الجوانب المختلفة من المجال الفني ذاته. وعلى عكس المقياس الأكاديمي، الموهبة الفنية تتطلب مقاييس مختصة تقيس فيها جوانب الابداع والتعبير والمهارات التقنية الدقيقة لدى الموهوب. قياس الموهبة الفنية تتم من خلال بناء الملف الفني الخاص بالموهوب (portfolio)، حيث يتم تقييم لاحقًا من قبل مختصين تحت بنود معينة تقيس الأصالة والتقنيات المستخدمة وأسلوب التعبير.
- الإطار القيادي:
الموهبة في إطارها القيادي تتصف بامتلاك الفرد قدرات استثنائية لإلهام، تحفيز، توجيه، والتأثير في الآخرين. يبحث هذا الإطار في مجالات أبعد من المجال المعرفي والأكاديمي، ويسلط الضوء على مهارات الفرد الاجتماعية، الذكاء العاطفي والتفكير الاستراتيجي. التقييم في هذا الإطار يقوم على ملاحظة الموهوبين في هذا المجال، من خلال ملاحظة سلوك الموهوب بين زملاءه، أقرانه وأصدقاءه، وتقييم المهام المعطاة له في القيادة، بالإضافة إلى بعض التقييمات (كتقييم ممارسة القيادة LPI)، الذي يقيس خمس جوانب أساسية وهي: إلهام الآخرين نحو رؤية مشتركة، تقديم التحديات ومواجهتها، تمكين الآخرين، اقتداء الآخرين، والتشجيع المثمر. مقياس آخر يتضمنه الإطار القيادي وهو قياس الذكاء العاطفي (كمقياس EQ-i)، وغيره من المقاييس التي تساعد على استنباط الاستعداد الفطري للموهوبين في تنظيم وقيادة الآخرين.
وبعد أن تم تعريف الموهوبين، يجب أن نقوم بذكر بعض الخرافات المرتبطة بهم، هذه الخرافات قد تقود المجتمعات لفهم الموهبة بشكلٍ خاطئ مما يعيق تقديم الدعم والتطوير اللازم لهذه الفئة وخصوصًا الموهوبون ذوي الاستثناء المزدوج (twice exceptional)، وهذه بعضٌ منها Sousa (2009):
خرافة أ: الموهبة مقتصرة فقط على التحصيل الأكاديمي
الصواب: الموهبة لها جوانب عدة وهو ناتج التركيبة الدماغية الفريدة للفرد. جوانب الموهبة عديدة، منها الجانب الإبداعي، والمهارات التحليلية، والمهارات المنطقية المتقدمة وغيرها. ومن الجدير بالذكر، أن هنالك العديد من الأفراد الموهوبين الذين لا يبرزون في الجانب الأكاديمي.
خرافة ب: الموهبة فطرية فقط، أو، الموهبة هي ناتج العمل الجاد فقط.
الصواب: نعم، قد يكونُ جانبًا من الموهبة هو ناتج وراثي، لكن البيئة كذلك تلعب دورًا كبيرًا في اكتشاف وصقل وتنمية الموهبة، عادةً الموهوبين لا يستطيعون التقدم بدون مساعدة الآخرين لهم. الموهوبين يحتاجون إلى فريق كامل، حيث يبدأ هذا الدعم من الأسرة، فالاختلاط بالأقران من نفس موهبتهم فالدعم الاجتماعي والنفسي وغيره. الموهبة هي ناتج الفطرة والعمل الجاد.
خرافة ت: اختبارات الابداع فعَّالة في قياس الموهبة.
الصواب: اختبار الموهبة وحده ليس جديرًا بالحكم على الشخص أنه موهوب، لأن اختبارات الابداع تقيس مقدرة الشخص على حل المشكلات، والتفكير بطريقة مختلفة.
خُرافة ث: الصرامة الشديدة في التربية تخلق أفراد موهوبين.
الصواب: الحقيقة هي أن الأفراد الموهوبين هم من يقومون بقيادة آباءهم لتلبية حاجاتهم المُوْهَبَة.
خُرافة ج: كل الأطفال موهوبين، ولا يجب أن يكون هنالك فئة تحتاج للدعم والتسريع.
الصواب: الموهبة لا تعني التفرقة بين الأطفال وخلق طبقات مجتمعية بينهم، بل على العكس تمامًا، فإن جميع الأطفال خُلقوا مبدعين ومستكشفين، لكن الأطفال الموهوبين يمتلكون خصائص فريدة يختلفون بها عن أقرانهم العاديين. خلق الإنسان بتفاوت في كل شيء، وكل إنسان لديه نقاط قوة ونقاط ضعف، لكن في حالة الموهوبين، فإنهم يتسمون بامتلاكهم لنقاط قوى تتعدى المدى الطبيعي للأفراد سواء في مجال واحد أو أكثر.
خُرافة ح: الأطفال الموهوبين يكبرون ليصبحوا أفراد مبدعين وبارزين.
الصواب: ليس كل الموهوبين الأطفال يكبرون ليصبحوا بارزين، فهنالك فئة من الموهوبين.
الموهبة لا تعتمد فقط على الذكاء العالي، فالموهبة هي طبيعة متعددة الأبعاد لها أركان رئيسية (الفضول العالي، فرط الحساسية، تفكير معقد وسريع، الدافعية العالية، التركيز العالي والمطول، الخ). تمكين الموهوبين له أهمية كبيرة نتيجة عَوْد نَفعِهِ على المجتمع (ثقافيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وتربويًا وغيرها) فتمكينهم يساعدهم على بلوغ إمكانياتهم الكاملة؛ من خلال تقديم الموارد والفرص المناسبة. وعلى الرغم من امتلاك الموهوبين ملكات معرفية، إلا أنهم معرضون لتحديات أكبر منها المعرفية، الاجتماعية، الانفعالية/العاطفية، والأكاديمية، لذلك، على المختصين، تحديد نقاط الضعف لدى الموهوبين لتمكينهم من التعامل معها واجتيازها. تمكين الموهوبين أمر ضروري لمساعدتهم بلوغ امكانياتهم الكاملة وضمان مساهمتهم بشكل فعال في المجتمع. يمتلك الموهوبون قدرات استثنائية، والتي تحتاج إلى برامج تعليمية مخصصة تتجاوز المناهج التقليدية لتلبية احتياجاتهم التعليمية، وحاجتهم للدعم العاطفي والاجتماعي لمساعدتهم في التغلب على التحديات العاطفية والاجتماعية الفريدة.
وما إن تم الاهتمام بها على النحو الصحي والسليم، سيساهم في التقدم البارز لمجالات موهبتهم.
- تحديد نقاط ضعفهم والعمل عليها؛ فالموهوبون، على الرغم من امتلاكم ملكات معرفية، إلا أنهم معرضون لتحديات معرفية كثيرة منها التحصيل الأكاديمي المنخفض، والاضطرابات منها تشتت الانتباه وضعف التركيز، والتوحد وغيرها، فعلى المختصين، تحديد نقاط الضعف لدى الموهوبين لتمكينهم من التعامل معها واجتيازها للوصول إلى امكانياتهم القصوى.
- تعزيز الجانب الانفعالي/المشاعري وفهمه؛ للموهوبين ما يسمى بفرط الاستثارة؛ وتُصَف بشدة الحساسية تجاه المثيرات الحسية، والإدراك العالي، مما يمثل فرقًا حقيقيًا في نسيج تجربتهم للحياة.
- تأسيس بيئة مناسبة للابتكار والابداع؛ مقدرة الموهوبين المبدعين على التفكير خارج الصندوق وتوليد أفكار أصيلة يثمر في تطوير التكنولوجيا والعلوم والآداب وغيرها من المجالات، فتشجيع ابداعهم من خلال تقديم برامج وفرص مخصصة لهم يمكن أن يؤدي إلى حلول لتحديات صعبة تواجه المجتمع.
- تطوير مجتمع من الأقران وتكوين الصداقات؛ الحياة الاجتماعية مهمة لنا كبشر. الموهوبون، يستمون بالانسحاب عندما لا يجدون أقرانًا يشاركونهم نفس اهتماماتهم وطريقة تفكيرهم. فمن المهم أن نسعى لإشراك الموهوبين في برامج حيث يمكنهم التعرف على أقران في مثل مستوى اهتمامهم.
تمكين الموهوبين أمر ضروري لمساعدتهم بلوغ امكانياتهم الكاملة وضمان مساهمتهم بشكل فعال في المجتمع. يمتلك الموهوبون قدرات استثنائية، والتي تحتاج إلى برامج تعليمية مخصصة تتجاوز المناهج التقليدية لتلبية احتياجاتهم التعليمية، وحاجتهم للدعم العاطفي والاجتماعي لمساعدتهم في التغلب على التحديات العاطفية والاجتماعية الفريدة. وما إن تم الاهتمام بها على النحو الصحي والسليم، سيساهم في التقدم البارز لمجالات موهبتهم.
المراجع:
- Sousa, D. A. (2009). How the gifted brain learns. Corwin.
- Gagné, F. (1985). Giftedness and Talent: Reexamining A reexamination of the definitions. Gifted Child Quarterly, 29(3), 103–112. https://doi.org/10.1177/001698628502900302
- Gardner, H. (2011). Frames Of Mind: The Theory Of Multiple Intelligences. Basic Books.
- Renati, R., Bonfiglio, N. S., Dilda, M., Mascia, M. L., & Penna, M. P. (2023). Gifted Children through the Eyes of Their Parents:Talents, Social-Emotional Challenges, and Educational Strategies from Preschool through Middle School. Children, 10(1), 42. https://doi.org/10.3390/children10010042